الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
الشيخ عبد الجواد بن محمد ابن عبد الجواد الأنصاري الجرجاوي الخير المكرم الجواد من بيت الثروة والفضل جدوده مالكية فتحنف كان من أهل المآثر في إكرام الضيوف والوافدين وله حسن توجه مع الله تعالى وأوراد وأذكار وقيام الليل يسهر غالب ليله وهو يتلو القرآن والأحزاب وورد مصر مرارًا وفي آخره انتقل إليها بعياله واشترى منزلًا واسعًا بحارة كتامة المعروفة الآن بالعينية وصار يتردد في دروس العلماء مع إكرامهم له ثم توجه الى الصعيد ليصلح بين جماعة من عرب العسيرات فقتلوه غيلة في هذه السنة رحمه الله تعالى. ومات الأمير المبجل صالح فندي كاتب وجاق التفجية وهو من مماليك ابراهيم كتخدا القزدغلي نشأ من صغره في صلاح وعفة وحبب إليه القراءة وتجويد الخط فجوده على حسن أفندي الضيائي والأنيس وغيرهما حتى مهر فيه وأجازوه على طريقتهم واصطلاحهم واقتنى كتبًا كثيرة وكان منزله مأوى ذوي الفضائل والمعارف وله اعتقاد حسن وحب في المرحوم الوالد ولا ينقطع عن زيارته في كل جمعة مرة أو مرتين وكان مترهفًا في مأكله وملبسه معتبرًا في ذاته وجيهًا منور الوجه والشيبة له من اسمه نصيب وعنده حزم ومماليكه أحمد مصطفى تمرض نحو سنة وعجز عن ركوب الخيل وصار يركب حمارًا عاليًا ويستند على أتباعه ولم يزل حتى توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى وانقضت هذه السنة. واستهلت سنة خمس ومائتين وألف في حادي عشر المحرم ورد آغا وعلى يده تقرير لاسمعيل باشا على السنة الجديدة فعملوا له موكبًا وطلع الى القلعة وقرئ المقرر بحضرة الجمع وضربوا له مدافع. وفي ذلك اليوم قبض اسمعيل بك على المعلم يوسف كساب معلم الدواوين وأمر بتغريقه في بحر النيل. وفي صبحها نفوا صالحا آغا آغات الأرنؤد قيل إن السبب في ذلك أنه تواطأ مع الأمراء القبالي بواسطة المعلم يوسف المذكور على أنه لم يملكهم المراكب الرومية والقلاع التي بناحية طرا والجيزة وعملوا له مبلغًا من المال التزم به الذمي يوسف وكتب على نفسه تمسكًا بذلك وفيه كثر تعدي أحمد آغا الوالي على أهل الحسينية وتكرر قبضه وإيذاؤه لأناس منهم بالحبس والضرب وأخذ المال بل ونهب بعض البيوت وأرسل في يوم الجمعة ثاني عشرينه أعوانه بطلب أحمد سالم الجزار شيخ طائفة البيومية وله كلمة وصولة بتلك الدائرة وأرادوا القبض عليه فثارت طوائفه على أتباع الوالي ومنعوه منهم وتحركت حميتهم عند ذلك وتجمعوا وانضم إليهم جمع كثير من أهل تلك النواحي وغيرها وأغلقوا الأسواق والدكاكين وحضروا الى الجامع الأزهر ومعهم طبول وقفلوا أبواب الجامع وصعدوا على المنارات وهم يصرخون ويصيحون ويضربون على الطبول وأبطلوا الدروس فقال لهم الشيخ العروسي: أنا أذهب الى اسمعيل بك في هذا الوقت وأكلمه في عزل الوالي وتخلص منهم بذلك وذهب الى اسمعيل بك فاعتذر بأن الوالي ليس من جماعته بل هو من جماعة حسن بك الجداوي وأمر بعض أتباعه بالذهاب إليه وإخباره بجمع الناس والمشايخ وطلبهم عزل الوالي فلم يرض بذلك وقال إن كان أنا أعزل الوالي تابعي يعزل هو الآخر الآغا تابعه ويعزل رضوان كتخدا المجنون من المقاطعة ويرفع مصطفى كاشف من طرا ويطرد عسكر القليونجية والأرنؤد وترددت بينهم الرسل بذلك ثم ركب حسن بك وخرج الى ناحية العادلية مثل المغضب وصار أحمد آغا الوالي يركب بجماعة كثيرة ويشق من المدينة ليغيظ العامة وكذلك يجمع من العامة خلائق كثيرة ووقع بينه وبينهم بعض مناوشات في مروره وانجرح بينهم جماعة وقتل شخصان ثم ركب المشايخ وذهبوا الى بيت محمد أفندي البكري وحضر هناك اسمعيل بك وطيب خاطرهم والتزم لهم بعزل الوالي ومر الوالي في ذلك الوقت على بيت الشيخ البكري وكثير من العامة مجتمع هناك ففزع فيهم بالسيف وفرق جمعهم وسار من بينهم وذهب في طريقه ثم زاد الحال وكثرت غوغاء الناس ومشوا طوائف يأمرون بغلق الدكاكين واجتمع بالأزهر الكثير منهم واستمرت هذه القضية الى يوم الثلاثاء ثالث صفر ثم طلع اسمعيل بك والأمراء الى القلعة واصطلحوا على عزل الوالي والآغا وجعلوهما صنجقين وقلدوا خلافهما الآغا من طرف اسمعيل بك والوالي من طرف حسن بك ونزل الوالي الجديد من الديوان الى الأزهر وقابل المشايخ الحاضرين واسترضاهم ثم ركب الى بيته وانفض الجمع وكأنها طلعت بأيديهم والذي كان راكب حمارًا ركب فرسًا. وفي ليلة الجمعة خامس شهر صفر غيمت السماء غيمًا مطبقًا وسحت أمطار غزيرة كأفواه القرب مع رعد شديد الصوت وبرق متتابع متصل قوي اللمعان يخطف بالأبصار مستديم الاشتعال واستمر ذلك بطول ليلة الجمعة ويوم الجمعة والأمطار نازلة حتى سقطت الدور القديمة على الناس ونزلت السيول من الجبل حتى ملأت الصحراء وخارج باب النصر وهدمت الترب وخسفت القبور وصادف ذلك اليوم دخول الحجاج الى المدينة فحصل لهم غاية المشقة وأخذ السيل صيوان أمير الحاج بما فيه وانحدر به من الحصوة الى بركة الحج وكذلك خيام الأمراء وغيرهم وسالت السيول من باب النصر ودخلت البلد وامتلأت الوكائل بالمياه وكذلك جامع الحاكم وقتلت أناس في حواصل الخانات وصار خارج باب النصر بركة عظيمة متلاطمة بالأمواج وفي حصل أيضًا كائنة عبد الوهاب أفندي بشناق الواعظ وذلك أنه مات رجل من البشانقة من أهل بلده وكأنه قد جعله وصيًا على تركته فاستولى عليها واستأصلها وكان للرجل المتوفى شركة بناحية الاسكندرية فسافر المذكور الى الاسكندرية وحاز باقي التركة أيضًا ورجع الى مصر وحضر الوارث وطالبه بتركة مورثه فأظهر له شيئًا نزرًا فذهب الوارث الى القاضي فدعاه القاضي وكلمه في ذلك فقال له أنا وصي مختار وأنا مصدق وليس عندي خلاف ما سلمته له فقال له القاضي إنه يدعي عليك بكذا وكذا وعنده إثبات ذلك وطال بينهما الكلام وتطاول على القاضي واستجهله فطلع القاضي الى الباشا وشكا له فأمر بإحضاره فحضر في جمع الديوان وناقشوه فلم يتزلزل عن عناده الى أن نسب الكل الى الانحراف عن الحق فحنق الباشا منه وأمر برفعه من المجلس فقبضوا عليه وجروه وضربوه ورموا بتاجه الى الأرض وحبسوه في مكان وصادف أيضًا ورود مكتوب من ناحية المدينة من مفتيها كان أرسله المذكور إليه لسبب من الأسباب وذكر فيه الباشا بقوله التعيس الحربي وكذلك الأمراء بنحو ذلك فأرسله المفتي وأعاده على يد بعض الناس الى اسمعيل بك حقدًا منه عليه لكراهة خفية بينهما سابقة وأوصله اسمعيل بك أيضًا الى الباشا فازداد غيظًا وأرعد وأبرق وأحضر بشناق أفندي من محبسه وقت القائلة وأراه ذلك المكتوب فسقط في يده واعتذر فلطمه على وجهه ونتف لحيته وأراد أن يضربه بخنجره فشفع فيه أكابر أتباعه ثم أخذوه وسجنوه وأمر بمحاسبته على ما أخذه من التركة فحوسب وطولب وبقي بالحبس حتى وفى ما طلع عليه وشفع فيه علي بك الدفتردار وخلصه من الترسيم. وفي أواخر صفر قلدوا أحمد بك الوالي المذكور كشوفية الدقهلية وعثمان بك الحسني الغربية وشاهين بك شرقية بلبيس وعلي بك جركس المنوفية وصار جماعة أحمد بك وأتباعه عند سفرهم يخطفون دواب الناس من الأسواق وخيول الطواحين ولما سرحوا في البلاد حصل منهم ما لا خير فيه من ظلم الفلاحين مما هو معلوم من أفعالهم. وفي شهر ربيع الأول كمل بناء بيت اسمعيل بك وبياضه وأتمه على هيئة متقنة وترتيب في الوضع ونقل إليه قطع الأعمدة العظام التي كانت ملقاة في مكان الجامع الناصري الذي عند فم الخليج وجعلها في جدرانه وبنى به مقعدًا عظيمًا متسعًا ليس له مثيل في مقاعد بيوت الأمراء في ضخامته وعظمه وهو في جهة البركة وغرس بجانبه بستانًا عظيمًا وظن أن الوقت قد صفا له. وفي أواخر شهر جمادى الأولى أشيع في الناس أن في ليلة السابع والعشرين نصف الليل يحصل زلزلة عظيمة وتستمر سبع ساعات ونسبوا هذا القول الى أخبار بعض الفلكيين من غير أصل واعتقده الخاصة فضلًا عن العامة وصمموا على حصوله من غير دليل لهم على ذلك فلما كانت تلك الليلة خرج غالب الناس الى الصحراء والى الأماكن المتسعة مثل بركة الأزبكية والفيل وخلافهما ونزلوا في المراكب ولم يبق في بيته إلا من ثبته الله وباتوا ينتظرون ذلك الى الصباح فلم يحصل شيء وأصبحوا يتضاحكون على بعضهم. وفيه ابتدأ أمر الطاعون وداخل الناس منه وهم عظيم. وفيه قلدوا عبد الرحمن بك عثمان وجعلوه صنجق الخزينة وشرعوا في تشهيله واجتهد اسمعيل بك في سفر الخزينة على الهيئة القديمة ولبس المناصب والسدادة وأرباب الخدم وقد بطل هذا الترتيب والنظام من نيف وثلاثين سنة فأراد اسمعيل بك إعادته ليكون له بذلك منقبة ووجاهة عند دولة بني عثمان فلم يرد الله بذلك وعاجله الرجز. وفي شهر رجب زاد أمر الطاعون وقوي عمله بطول شهر رجب وشعبان وخروج عن حد الكثرة ومات به ما لا يحصى من الأطفال والشبان والجواري والعبيد والمماليك والأجناد والكشاف والأمراء ومن أمراء الألوف الصناجق نحو اثني عشر صنجقًا ومنهم اسمعيل بك الكبير المشار إليه وعسكر القليونجية والأرنؤد الكائنون ببولاق ومصر القديمة والجيزة حتى كانوا يجفرون حفر المن بالجيزة بالقرب من مسجد أبي هريرة ويلقونهم فيها وكان يخرج من بيت الأمير في المشهد الواحد الخمسة والستة والعشرة وازدحموا على الحوانيت في طلب العدد والمغسلين والحمالين ويقف في انتظار المغسل أو المغسلة الخمس والعشرة ويتضاربون على ذلك ولم يبق للناس شغل إلا الموت وأسبابه فلا تجد إلا مريضًا أو ميتًا أو عائدًا أو معزيًا أو مشيعًا أو راجعًا من صلاة جنازة أو دفن أو مشغولًا في تجهيز ميت أو باكيًا على نفسه موهومًا ولا تبطل صلاة الجنائز من المساجد والمصليات ولا يصلي إلا على أربعة أو خمسة أو ثلاثة وندر جدًا من يشتكي ولا يموت وندر أيضًا ظهور الطعن ولم يكن بحمى بل يكون الإنسان جالسًا فيرتعش من البرد فيدثر فلا يفيق إلا مخلطًا أو يموت من نهاره أو ثاني يوم وربما زاد أو نقص أو كان بخلاف ذلك وكان شبيهًا بفصل البقر الذي تقدم واستمر عمله الى أوائل رمضان ثم ارتفع ولم يقع بعد ذلك إلا قليلًا نادرًا ومات الآغا والوالي في أثناء ذلك فولوا خلافهما فماتا بعد ثلاثة أيام فولوا خلافهما فماتا أيضًا واتفق أن الميراث انتقل ثلاث مرات في جمعة واحدة ولما مات اسمعيل بك تنازل الرياسة حسن بك الجداوي وعلي بك الدفتردار ثم اتفقوا على تأمير عثمان بك طبل تابع اسمعيل بك على مشيخة البلد وسكن ببيت سيده وقلدوا حسن بك قصبة رضوان أمير حاج ثم أنهم أظهروا الخوف والتوبة والإقلاع وإبطال الحوادث والمظالم وزيادات المكوس ونادوا بذلك وقلدوا أمراء عوضًا عن المقبورين من مماليكهم. في غرة رمضان حضر ططري وعلى يده مرسوم بعزل اسمعيل باشا وأن يتوجه الى الموره وأن باشة الموره محمد باشا الذي كان بجدة في العام الماضي المعروف بعزت هو والي مصر فعملوا الديون وقرئت المرسومات فقال الأمراء لا نرضى بذهابك من بلدنا وأنت أحسن لنا من الغريب الذي لا نعرفه فقال وكيف يكون العمل ولا يمكن المخالفة فقالوا نكتب عرضحال الى الدولة ونرجو تمام ذلك فقال لا يتم ذلك فإن المتولي كأنكم به وصل الى الاسكندرية وعزم على النزول صبح تاريخه ثم أنهم اتفقوا على كتابة عرضحال بسبب تركة اسمعيل بك خوفًا من حضور معين بسبب ذلك وعين للسفرية الشيخ محمد الأمير. وفي يوم الخميس الخامس عشر رمضان نزل الباشا من القلعة الى بولاق وقصد السفر على الفور وطلب المراكب وأنزل بها متاعه ويرقه فلما رأوا منه العجلة وعدم التأني وقصدهم تأخيره الى حضور الباشا الجديد ويحاسب على ما دخل في جهته فاجتمعوا عليه صحبة الاختيارية وكلموه في التأني فعارضهم وعاندهم وصمم على السفر من الغد فأغلظوا عليه في القول وقالوا له هذا غير مناسب يقال إن الباشا أخذ مال مصر وهرب فقال وأي شيء أخذته منكم قالوا له لابد من عمل حساب فإن الحساب لا كلام فيه ولابد من التأني حتى نعمل الحساب فقال أنا أبقي عندكم الكتخدا فحاسبوه نيابة عني والذي يطلع لكم في طرفي خذوه منه فلم يرضوا بذلك فقال أنا لابد من سفري إما اليوم أو غدًا فقاموا من عنده على غير رضا وأرسلوا الوالي والآغا يناديان على ساحل البحر على المراكب بأن كل من سافر بشيء من متاع الباشا أو بأحد من أتباعه يستأهل الذي يجري عليه وطردوا النواتية من المراكب ولم يتركوا في كل مركب إلا شخصًا واحدًا نوتيًا فقط وتركوا عند بيت الباشا جماعة حراسًا وفي حضر خازندار الباشا الجديد وأخبر بوصول مخدومه الى ثغر الاسكندرية ومعه خلعة القائمقامية لعثمان بك طبل ومكاتبة الى الأمراء بعدم سفر الملاقاة وأرباب الخدم على العادة وأخبر أنه واصل الى رسيد بالبحر بالنقاير فنزل لملاقاته آغات المتفرقة فقط. وفيه رفعوا مصطفى كاشف من طرا وعملوه كتخدا عثمان بك شيخ البلد. وفيه أشيع بأن عبد الرحمن بك الابراهيمي حضر من طريق الشام ومر من خلف الجبل وذهب الى سيده بالصعيد. وفي غرة شوال يوم الجمعة وليلة السبت حضر الباشا الجديد الى ساحل بولاق فعملوا له اسقالة وركب الأمراء وعدوا الى بر انبابة وسلموا عليه وعدى صحبتهم وركب الى قصر العيني وأوكب في يوم الاثنين رابعه في موكب أقل من العادة بكثير الى القلعة من ناحية الصليبة وضربوا له مدافع من القلعة. وفي ذلك اليوم سافر الشيخ محمد الأمير بالعرضحال وكانوا أخروا سفره الى أن وصل الباشا الجديد وغيروه بعد أن عرضوا عليه الأمر ثم أنهم عملوا حساب الباشا المعزول فطلع عليه للباشا المتولي مائتا كيس من ابتداء منصبه وهو سابع عشر رجب وللأمراء مبلغ أيضًا فسدد ذلك بعضه أوراق وبعضه نقد وبعضه أمتعة وأذنوا له بالسفر فشرع في نزول متاعه بالمراكب بطول يوم الخميس والجمعة وأراد أن يسافر يوم السبت ففي تلك الليلة وصل بشلي من الروم وبيده مرسوم فعمل الباشا في صبحها ديوانًا حضر فيه المشايخ والأمراء وأبرز الباشا المرسوم فكان مضمونه محاسبة الباشا المعزول من ابتداء شهر توت واستخلاص ما تأداه من ابتداء المدة فعند ذلك أرسلوا ثانية وحجروا عليه ونكتوا عزاله من المراكب وحبسوا النواتية ونادوا عليه ثاني مرة وذلك في سادس عشره. وفيه تواردت الأخبار بأن الأمراء القبالي تحركوا الى الحضور الى مصر فإنه لما حصل ما حصل من موت اسمعيل بك والأمراء حضر مراد بك من أسيوط الى المنية وانتشر باقي الأمراء في المقدمة وعلى بعضهم الى الشرق ووصلت أوائلهم الى كفر العياط وأما ابراهيم بك فإنه لم يزل مقيمًا بمنفلوط ومنتظرًا ارتحال الحجاج ثم يسير الى جهة مصر فأرسلوا علي بك الجديد الى طرا عوضًا عن مصطفى كاشف وأرسلوا صالح بك الى الجيزة وأخذوا في الاهتمام. وفيه حفر خندق من البحر الى المتاريس وفردوا فلاحين على البلاد للحفر مع اشتغالهم بأمور الحج ودعوا هم نقص مال الصرة وتعطيل الجامكية المضافة لدفتر الحرمين وتوجيه المعينين من القليونجية على الملتزمين. وفي يوم الأحد رابع عشرينه حضر السيد عمر أفندي مكرم الأسيوطي بمكاتبة من الأمراء القبليين خطابًا الى شيخ البلد والمشايخ وللباشا سرًا. وفيه سافر اسمعيل باشا المنفصل من بولاق بعد أن أدى ما عليه. وفي يوم الاثنين خامس عشرينه خرج المحمل صحبة أمير الحاج حسن بك قصبة رضوان وفي يوم الثلاثاء اجتمعوا بالديوان عند الباشا وقرئت المكاتبات الواصلة عن الأمراء القبليين فكان حاصلها أننا في السابق طلبنا الصلح مع إخواننا والصفح عن الأمور السالفة فأبى المرحوم اسمعيل بك ولم يطمئن لطرفنا ولك شيء نصيب والأمور مرهونة بأوقاتها والآن اشتقنا الى عيالنا وأوطاننا وقد طالت علينا الغربة وعزمنا على الحضور الى مصر على وجه الصلح وبيدنا أيضًا مرسوم من مولانا السلطان وصل إلينا صحبة عبد الرحمن بك بالعفو والرضا والماضي لا يعاد ونحن أولاد اليوم وأن أسيادنا المشايخ يضمنون غائلتنا فلما قرئت تلك المكاتبة التفت الباشا الى المشايخ العروسي إن كان التفاقم بينهم وبين أمرائنا المصرية الموجودين الآن فإننا نترجى عندهم وإن كان ذلك بينهم وبين السلطان فالأمر لنائب مولانا السلطان ثم اتفق الرأي على مكاتبة جواب حاصله أن الذي يطلب الصلح يقدم الرسالة بذلك قبل قدومه وهو بمكانه وذكرتم أنكم تائبون وقد تقدم منكم هذا القول مرارًا ولم نر له أثرًا فإن شرط التوبة رد المظالم وأنتم لم تفعلوا ذلك ولم ترسلوا ما عليكم من الميري في هذه المدة فإن كان الأمر كذلك فترجعوا الى أماكنكم وترسلوا المال والغلال ونرسل عرضحال الى الدولة بالإذن لكم فإن الأمراء الذين بمصر لم يدخلوها بسيفهم ولا بقوتهم وإنما السلطان هو الذي أخرجكم وأدخلهم وإذا حصل الرضا فلا مانع لكم من ذلك فإننا الجميع تحت الأمر وعلم على ذلك الجواب الباشا والمشايخ وسلموه الى السيد عمر وسافر به في يوم الثلاثاء المذكور ثم اشتغلوا بمهمات الحج وادعوا نقص مال الصرة ستين كيسًا ففردوها على التجار ودكاكين الغورية وارتحل الحاج من الحصوة وصحبته الركب الفاسي وذلك يوم السبت غايته وبات بالبركة وارتحل يوم الأحد غرة ذي القعدة. وفي ذلك اليوم عملوا الديوان بالقلعة ورسموا بنفي من كان مقيمًا بمصر من جماعة القبليين فنفوا أيوب بك الكبير وحسن كتخدا الجربان الى طندتا وكتبوا فرمانًا بخروج الغريب وفرمانًا آخر بالأمن والأمان وأخذهما الوالي والآغا ونادوا بذلك في صبحها في شوارع البلد ونبهوا على تعمير الدروب وقفل أبواب الأطراف وأجلسوا عند كل مركز حراسًا. وفي يوم الخميس نزل الآغا وأمامه المناداة بفرمان على الأجناد والطوائف والمماليك بالخروج الى وفيه وصل قاصد من الديار الرومية وهو آغا معين بطلب تركة اسمعيل بك وباقي الأمراء الهالكين بالطاعون فأنزلوه ببيت الزعفراني وكرروا المناداة بالخروج الى ناحية طرا وكل من تاجر بعد الظهر يستحق العقوبة. وفي تلك الليلة وقت المغرب طلع الأمراء الى الباشا وأشاروا عليه بالنزول والتوجه الى ناحية طرا فنزل في صبحها وخرج الى ناحية طرا كما أشاروا عليه وكذلك خرج الأمراء وطاف الآغا والوالي بالشوارع وهما يناديان على الألضاشات المنتسبين الى الوجاقات بالصعود الى القلعة والباقي بالخروج الى متاريس الجيزة وطلع الأوده باشا والاختيارية وجلسوا في الأبواب. وفي يوم السبت أشيع أن الأمراء القبليين يريدون التخريم من وراء الجبل الى جهة العادلية فخرج أحمد بك وصالح بك تابع رضوان بك الى جهة العادلية وأقاموا هناك للمحافظة بتلك الجهة وأرسلوا أيضًا الى عرب العائد فحضروا أيضًا هناك. وفيه وصل القبليون الى حلوان ونصبوا وطاقهم هناك وأخذ المصريون حذرهم من خلف متاريس طرا. وفي يوم الثلاثاء توجه المشايخ الى ناحية طرا وسلموا على الباشا والأمراء ورجعوا وذلك بإشارة الأمراء ليشاع عند الأخصام أن الرعية والمشايخ معهم وبقي الأمر على ذلك الى يوم وفي صبح يوم الأربعاء نزل الآغا والوالي وأمامهم المناداة على الرعية والعامة الكافة بالخروج في صبح يوم الخميس صحبة المشايخ ولا يتأخر أحد وحضر الشيخ العروسي الى بيت الشيخ البكري وعملوا هناك جمعية وخرج الآغا من هناك ينادي في الناس ووقع الهرج والمرج وأصبح يوم الخميس فلم يخرج أحد من الناس وأشيع أن الأمراء القبليين نزلوا أثقالهم في المراكب وتمنعوا الى قبلي ويقولون إن قصدهم الرجوع وبقي الأمر على السكوت بطول النهار والناس في بهتة والأمراء متخيلون من بعضهم البعض وكل من علي بك الدفتردار وحسن بك الجداوي يسيء الظن بالآخر ولم يخطر بالبال مخامرة عثمان بك طبل ولا الباشا فإن عثمان بك تابع اسمعيل بك الخصم الكبير وقد تعين عوضه في إمارة مصر ومشيختها والباشا لم يكن من الفريقين فلما كان الليل تحول الباشا والأمراء وخرجوا الى ناحية العادلية وأخرجوا شركفلك صحبتهم وجملة مدافع وعملوا متاريس فما فرغوا من عمل ذلك إلا ضحوة النهار من يوم الجمعة وهم واقفون علي الخيول فلم يشعروا إلا والأمراء القبالي نازلون من الجبل بخيولهم ورجالهم لكنهم في غاية الجهد والمشقة فلما نزلوا وجدوا الجماعة والمتاريس أمامهم فتشاور المصريون مع بعضهم في الهجوم عليهم فلم يوافق عثمان بك على ذلك وثبطهم عن الإقدام ورجعوا جميع الحملة الى مصر ووقفوا على جرائد الخيل فتمنع القبليون وتباعدوا عنهم ونزلوا عند سبيل علام يأخذون لهم راحة حتى يتكاملوا فلما تكاملوا ونصبوا خيامهم واستراحوا الى العصر ركب مصطفى كاشف صهر حسن كتخدا علي بك وهو من مماليك محمد بك الالفي وصحبته نحو خمسة مماليك وذهب الى سيده ثم ركب محمد بك المبدول أيضًا بأتباعه وذهب الى مراد بك لأنه في الأصل من أتباعه ثم ركب مصطفى كاشف الغزاري وهو أخو عثمان بك طبل شيخ البلد وذهب أيضًا إليهم واستوثق لأخيه فكتب له ابراهيم بك بالحضور فلم يتمكن من الحضور إلا بعد العشاء الأخيرة حتى انفرد عن حسن بك وعلي بك فلما فعل ذلك وفارقهما سقط في أيديهما وغشي على علي بك ثم أفاق وركب مع حسن بك وصناجقه وهم عثمان بك وشاهين بك وسليم بك المعروف بالدمرجي الذي تآمر عوضًا عن علي بك الحبشي ومحمد بك كشكش وصالح بك الذي تآمر عوضًا عن رضوان بك العلوي وعلي بك الذي تآمر عوضًا عن سليم بك الاسماعيلي وذهب الجميع من خلف القلعة على طريق طرا وذهبوا الى قبلي حيث كانت أخصامهم فسبحان مقلب الأحوال ولما حضر عثمان بك وقابل ابراهيم بك أرسله مع ولده مرزوق بك الى مراد بك فقابله أيضًا ثم حضرت إليهم الوجاقلية والاختيارية وقابلوهم وسلموا عليهم وشرع أتباعهم في دخول مصر بطول ليلة السبت حادي عشرين شهر القعدة ولما طلع النهار دخلت أتباعهم بالحملات والجمال شيء كثير جدًا ثم دخل ابراهيم وشق المدينة ومعه صناجقه ومماليكه وأكثرهم لابسون الدروع ثم دخل بعده سليمان بك والآغا وأخوه ابراهيم بك الوالي ثم عثمان بك الشرقاوي وأحمد بك الكلارجي وأيوب بك الدفتردار ومصطفى بك الكبير وعلي آغا وسليم آغا وقائد آغا وعثمان بك الأشقر الابراهيمي وعبد الرحمن بك الذي كان باسلامبول وقاسم بك الموسقو وكشافهم وأغواتهم وأما مراد بك فإنه دخل من على طريق الصحراء ونزل على الرميلة وصحبته عثمان بك الاسماعيلي شيخ البلد وأمراؤه وهم محمد بك الألفي وعثمان بك الطنبرجي الذي كان باسلامبول أيضًا وكشافهم وأغواتهم واستمر انجرارهم الى بعد الظهر خلاف من كان متأخرًا أو منقطعًا فلم يتم دخولهم إلا في ثاني يوم وأما مصطفى آغا الوكيل فإنه التجأ الى الباشا وكذلك مصطفى كاشف طرا فأخذهما الباشا صحبته وطلعا الى القلعة ودخل الأمراء الى بيوتهم وباتوا بها ونسوا الذي جرى وأكثر البيوت كان بها الأمراء الهالكون بالطاعون وبقي بها نساؤهم ومات غالب نساء الغائبين فلما رجعوا وجدوها عامرة بالحريم والجواري والخدم فتزوجوهن وجددوا فراشهم وعملوا أعراسهم ومن لم يكن له بيت دخل ما أحب من البيوت وأخذه بما فيه من غير مانع وجلس في مجالس الرجال وانتظر تمام العدة إن كان بقي منها شيء وأورثهم الله أرضهم وديارهم وأموالهم وأزواجهم. وفي يوم الأحد ركب سليم آغا ونادى على طرئفة القليونجية والأرنؤد والشوام بالسفر ولا يتأخر أحد وكل من وجد بعد ثلاثة أيام استحق ما ينزل به ثم أن المماليك صاروا كل من صادفوه منهم أو رأوه أهانوه وأخذوا سلاحه فاجتمع منهم طائفة وذهبوا الى الباشا فأرسل معهم شخصًا من الدلاة أنزلهم الى بولاق في المراكب وصار أولاد البلد والصغار يسخرون بهم ويصفرون عليهم بطول الطريق وسكن مراد بك ببيت اسمعيل بك وكأنه كان يبنيه من أجله. وفي يوم الاثنين أيضًا طاف الآغا وهو ينادي على القليونجية والأرنؤد. وفي يوم الخميس سادس عشرينه صعد الأمراء الى القلعة وقابلوا الباشا وكانوا يروه ولم يرهم قبل ذلك اليوم فخلع عليهم الخلع ونزلوا من عنده وشرعوا في تجهيز تجريدة الى الهاربين لأنهم حجزوا ما وجدوه من مراكبهم وأمتعتهم وكتب الباشا عرضحال في ليلة دخولهم وأرسله صحبة واحد ططري الى الدولة بحقيقة الحال وعينوا التجريدة ابراهيم بك الوالي وعثمان بك المرادي متقلدًا إمارة الصعيد وعثمان بك الأشقر وأحضر مراد بك حسن كتخدا علي بك بأمان وقابله وقيده بتشهيل التجريدة وعمل البقسماط ومصروف البيت من اللحم والخبز والسمن وغير ذلك ووجه عليه المطالب حتى صرف ما جمعه وحواه وباع متاعه وأملاكه ورهنها واستدان ولم يزل حتى مات بقهره وقلدوا علي آغا مستحفظان سابقًا وجعلوه كتخدا وفي حادي عشرين شهر الحجة الموافق لسابع عشر مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه ونزل الباشا الى قصر السد وحضر القاضي والأمراء وكسر السد بحضرتهم وعملوا الشنك المعتاد وجرى الماء في الخليج ثم توقفت الزيادة ولم يزد بعد الوفاء إلا شيئًا قليلًا ثم نقص واستمر يزيد قليلًا وينقص الى الصليب فضجت الناس وتشحطت الغلال وزاد سعرها وانكبوا على الشراء ولاحت لوائح الغلاء. وفيه أيضًا شرع الأمراء في التعدي على أخذ البلاد من أربابها من الوجاقلية وغيرهم وأخذوا بلاد أمير الحاج. وفيه صالح الباشا الأمراء على مصطفى آغا الوكيل وأخلوا له داره وقد كان سكن بها عثمان بك الأشقر فأخلاه له ابراهيم بك ونزل من القلعة إليه ولازم ابراهيم بك ملازمة كلية وكذلك مصطفى كاشف الذي كان بطرا لازم مراد بك واختص به وصار جليسه ونديمه. من مات في هذه السنة من الأعيان ومات شيخنا علم الأعلام والساحر اللاعب بالافهام الذي جاب في اللغة والحديث كل فج وخاض من العلم كل لج المذلل له سبل الكلام الشاهد له الورق والأقلام ذو المعرفة والمعروف وهو العلم الموصوف العمدة الفهامة والرحلة النسابة الفقيه المحدث اللغوي النحوي الأصولي الناظم الناثر الشيخ أبو الفيض السيد محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الشهير بمرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي هكذا ذكر عن نفسه ونسبه ولد سنة خمس وأربعين ومائة وألف كما سمعته من لفظه وروايته بخطه ونشأ ببلاده وارتحل في طلب العلم وحج مرارًا واجتمع بالشيخ عبد الله السندي والشيخ عمر بن أحمد بن عقيل المكي وعبد الله السقاف والمسند محمد ابن علاء الدين المزجاجي وسليمان بن يحيى وابن الطيب واجتمع بالسيد عبد الرحمن العيدروس بمكة وبالشيخ عبد الله ميرغني الطائفي في سنة ثلاث وستين ونزل بالطائف بعد ذهابه الى اليمن ورجوعه في سنة ست وستين فقرأ على الشيخ عبد الله في الفقه وكثيرًا من مؤلفاته وأجازه وقرأ على الشيخ عبد الرحمن العيدروس مختصر السعد ولازمه ملازمة كلية وألبسه الخرقة وأجازه بمروياته ومسموعاته قال: وهو الذي شوقني الى دخول مصر بما وصفه لي من علمائها وأمرائها وأدبائها وما فيها من المشاهد الكرام فاشتاقت نفسي لرؤياها وحضرت مع الركب وكان الذي كان وقرأ عليه طرفًا من الإحياء وأجازه بمروياته ثم ورد الى مصر في تاسع سفر سنة سبع وستين ومائة وألف وسكن بخان الصاغة وأول من عشره وأخذ عنه السيد علي المقدسي الحنفي من علماء مصر وحضر دروس أشياخ الوقت كالشيخ أحمد الملوي والجوهري والحفني والبليدي والصعيدي والمدابغي وغيرهم وتلقى عنهم وأجازوه وشهدوا بعلمه وفضله وجودة حفظه واعتنى بشأنه اسمعيل كتخدا عزبان ووالاه بره حتى راج أمره وترونق حاله واشتهر ذكره عند الخاص والعام ولبس الملابس الفاخرة وركب الخيول المسومة وسافر الى الصعيد ثلاث مرات واجتمع بأكابره وأعيانه وعلمائه وأكرمه شيخ العرب همام واسمعيل أبو عبد الله وأبو علي وأولاده نصير وأولاد وافي وهادوه وبروه وكذلك ارتحل الى الجهات البحرية مثل دمياط ورشيد والمنصورة وباقي البنادر العظيمة مرارًا حين كانت مزينة بأهلها عامرة بأكابرها وأكرمه الجميع واجتمع بأكابر النواحي وأرباب العلم والسلوك وتلقى عنهم وأجازوه وأجازهم وصنف عدة رحلات في انتقالاته في البلاد القبلية والبحرية تحتوي على لطائف ومحاورات ومدائح نظمًا نثرًا لو جمعت كانت مجلدًا ضخمًا وكناه سيدنا السيد أبو الأنوار بن وفا بأبي الفيض وذلك يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف وذلك برحاب ساداتنا بني الوفا يوم زيارة المولد المعتاد ثم تزوج وسكن بعطفة الغسال مع بقاء سكنه بوكالة الصاغة وشرع في شرح القاموس حتى أتمه في عدة سنين في نحو أربعة عشر مجلدًا وسماه تاج العروس ولما أكمله أولم وليمة حافلة جمع فيها طلاب العلم وأشياخ الوقت بغيط المعدية وذلك في سنة إحدى وثمانين ومائة وألف وأطلعهم عليه واغتبطوا به وشهدوا بفضله وسعة اطلاعه ورسوخه في علم اللغة وكتبوا عليه تقاريظهم نثرًا ونظمًا فمن قرظ عليه شيخ الكل في عصره الشيخ علي الصعيدي والشيخ أحمد الدردير والسيد عبد الرحمن العيدروس والشيخ محمد الأمير والشيخ حسن الجداوي والشيخ أحمد البيلي والشيخ عطية الأجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الزيات والشيخ محمد عبادة والشيخ محمد العوفي والشيخ حسن الهواري والشيخ أبو الأنوار السادات والشيخ علي القناوي والشيخ علي خرائط والشيخ عبد القادر بن خليل المدني والشيخ محمد المكي والسيد علي القدسي والشيخ عبد الرحمن مفتي جرجا والشيخ علي الشاوري والشيخ محمد الخربتاوي والشيخ عبد الرحمن المقري والشيخ محمد سعيد البغدادي الشهير بالسويدي وهو آخر من قرظ عليه وكنت إذ ذاك حاضرًا وكتبه نظمًا ارتجالًا وذلك في منتصف جمادى الثانية سنة أربعة وتسعين ومائة وألف. ولما أنشأ محمد بك أبو الذهب جامعه المعروف به بالقرب من الأزهر وعمل فيه خزانة للكتب واشترى جملة من الكتب ووضعها بها أنهوا إليه شرح القاموس هذا وعرفوه أنه إذا وضع بالخزانة كمل نظامها وانفردت بذلك دون غيرها ورغبوه في ذلك فطلبه وعوضه عنه مائة ألف درهم فضة ووضعه فيها ولم يزل المترجم يخدم العلم ويرقى في درج المعالي ويحرص على جمع الفنون التي أغفلها المتأخرون كعلم الإنسان والأسانيد وتخاريج الأحاديث واتصال طرائف المحدثين المتأخرين بالمتقدمين وألف في ذلك كتبًا ورسائل ومنظومات وأراجيز جمة ثم انتقل الى منزل بسويقة اللالا تجاه جامع محرم أفندي بالقرب من مسجد شمس الدين الحنفي وذلك في أوائل سنة تسع وثمانين ومائة وألف وكانت تلك الخطة إذ ذاك عامرة بالأكابر والأعيان فأحدقوا به وتحبب إليهم واستأنسوا به وواسوه وهادوه وهو يظهر لهم الغنى والتعفف ويعظهم ويفيدهم بفوائد وتمائم ورقي ويجيزهم بقراءة أوراد وأحزاب فأقبلوا عليه من كل جهة وأتوا الى زيارته من كل ناحية ورغبوا في معاشرته لكونه غريبًا وعلى غير صورة العلماء المصريين وشكلهم ويعرف باللغة التركية والفارسية بل وبعض لسان الكرج فانجذبت قلوبهم إليه وتناقلوا خبره وحديثه ثم شرع في إملاء الحديث على طريق السلف في ذكر الأسانيد والرواة المخرجين من حفظه على طرق مختلفة وكل من قدم عليه يملي عليه الحديث المسلسل بالأولية وهو حديث الرحمة برواته ومخرجيه ويكتب له سندًا بذلك وإجازة وسماع الحاضرين فيعجبون من ذلك ثم أن بعض علماء الأزهر ذهبوا إليه وطلبوا منه إجازة فقال لهم: لابد من قراءة أوائل الكتب واتفقوا على الاجتماع بجامع شيخون بالصليبة الاثنين والخميس تباعدًا عن الناس فشرعوا في صحيح البخاري بقراءة السيد حسين الشيخوني واجتمع عليهم بعض أهل الخطة والشيخ موسى الشيخوني أمام المسجد وخازن الكتب وهو رجل كبير معتبر عند أهل الخطة وغيره وتناقل في الناس سعي علماء الأزهر مثل الشيخ أحمد السجاعي والشيخ مصطفى الطائي والشيخ سليمان الاكراشي وغيرهم للأخذ عنه فازداد شأنه وعظم قدره واجتمع عليه أهل تلك النواحي وغيرها من العامة والأكابر والأعيان والتمسوا منه تبيين المعاني فانتقل من الرواية الى الدراية وصار درسًا عظيمًا فعند ذلك انقطع عن حضوره أكثر الأزهرية وقد استغنى عنهم هو أيضًا وصار يملي على الجماعة بعد قراءة شيء من الصحيح حديثًا من المسلسلات أو فضائل الأعمال ويسرد رجال سنده ورواته من حفظه ويتبعه بأبيات من الشعر كذلك فيتعجبون من ذلك لكونهم لم يعهدوها فيما سبق في المدرسين المصريين وافتتح درسًا آخر في مسجد الحنفي وقرأ الشمائل في غير الأيام المعهودة بعد العصر فازدادت شهرته وأقبلت الناس من كل ناحية لسماعه ومشاهدة ذاته لكونها على خلاف هيئة المصريين وزيهم ودعاه كثير من الأعيان الى بيوتهم وعملوا من أجله ولائم فاخرة فيذهب إليهم مع خواص الطلبة والمقرئ والمستملي وكاتب الأسماء فيقرأ لهم شيئًا من الأجزاء الحديثية كثلاثيات البخاري أو الدارمي أو بعض المسلسلات بحضور الجماعة وصاحب المنزل وأصحابه وأحبابه وأولاده وبناته ونسائه من خلف الستائر وبين أيديهم مجامر البخور بالعنبر والعود مدة القراءة ثم يختمون ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على النسق المعتاد ويكتب الكاتب أسماء الحاضرين والسامعين حتى النساء والصبيان والبنات واليوم والتاريخ ويكتب الشيخ تحت ذلك صحيح ذلك وهذه كانت طريقة المحدثين في الزمن السابق كما رأيناه في الكتب القديمة. يقول الحقيراني كنت مشاهدًا وحاضرًا في غالب هذه المجالس والدروس ومجالس أخر خاصة بمنزله وبسكنه القديم بخان الصاغة وبمنزلنا بالصنادقية وبولاق وأماكن أخر كنا نذهب إليها للنزاهة مثل غيط المعدية والأزبكية وغير ذلك فكنا نشغل غالب الأوقات بسرد الأجزاء الحديثية وغيرها وهو كثير بثبوت المسموعات على النسخ وفي أوراق كثيرة موجودة الى الآن وانجذب إليه بعض الأمراء الكبار مثل مصطفى بك الاسكندراني وأيوب بك الدفتردار فسعوا الى منزله وترددوا لحضور مجالس دروسه وواصلوه بالهدايا الجزيلة والغلال واشترى الجواري وعمل الأطعمة للضيوف وأكرم الواردين والوافدين من الآفاق البعيدة وحضر عبد الرزاق أفندي الرئيس من الديار الرومية الى مصر وسمع به فحضر إليه والتمس منه الإجازة وقراءة مقامات الحريري فكان يذهب إليه بعد فراغه من درس شيخون ويطالع له ما تيسر من المقامات ويفهمه معانيها اللغوية ولما حضر محمد باشا عزت الكبير رفع شأنه عنده وأصعده إليه وخلع عليه فروة سمور ورتب له تعيينًا من كلاره لكفايته من لحم وسمن وأرز وحطب وخبز ورتب له علوفة جزيلة بدفتر الحرمين والسائرة وغلالًا من الأنبار وأنهى الى الدولة شأنه فأتاه مرسوم بمرتب جزيل بالضربخانة وقدره مائة وخمسون نصفًا فضة في كل يوم وذلك في سنة إحدى وتسعين ومائة وألف فعظم أمره وانتشر صيته وطلب الى الدولة في سنة أربع وتسعين فأجاب ثم امتنع وترادفت عليه المراسلات من أكابر الدولة وواصلوه بالهدايا والتحف والأمتعة الثمينة في صناديق وطار ذكره في الأفق وكاتبه ملوك النواحي من الترك والحجاز والهند واليمن والشام والبصرة والعراق وملوك المغرب والسودان وفزان والجزائر والبلاد البعيدة وكثرت عليه الوفود من كل ناحية وترادفت عليه منهم الهدايا والصلات والأشياء الغريبة وأرسلوا إليه من أغنام فزان وهي عجيبة الخلقة عظيمة الجثة يشبه رأسها رأس العجل وأرسلها الى أولاد السلطان عبد الحميد فوقع لهم موقعًا وكذلك أرسلوا له من طيور الببغا والجواري والعبيد والطواشية فكان يرسل من طرائف الناحية الى الناحية المستغرب من ذلك عندها ويأتيه في مقابلتها أضعافها وأتاه من طرائف الهند وصنعاء اليمن وبلاد سرت وغيرها أشياء نفيسة وماء الكادي والمربيات والعود والعنبر والعطرشاه بالأرطال وصار له عند أهل المغرب شهرة عظيمة ومنزلة كبيرة واعتقاد زائد وربما اعتقدوا فيه القطبانية العظمى حتى أن أحدهم إذا ورد الى مصر حاجًا ولم يزره ولم يصله بشيء لا يكون حجه كاملًا فإذا ورد عليه أحدهم سأله عن اسمه ولقبه وبلده وخطته وصناعته وأولاده وحفظ ذلك أو كتبه ويستخبر من هذا عن ذاك بلطف ورقة فإذا ورد عليه قادم من قابل سأله عن اسمه وبلده فيقول له فلان من بلدة كذا فلا يخلو ما أن يكون عرفه من غيره سابقًا أو عرف جاره أو قريبه فيقول له فلان طيب فيقول نعم سيدي ثم يسأله عن أخيه فلان وولده فلان وزوجته وابنته ويشير له باسم حارته وداره وما جاورها فيقوم ذلك المغربي ويقعد ويقبل الأرض تارة ويسجد تارة ويعتقد أن ذلك من باب الكشف الصريح فتراهم في أيام طلوع الحج ونزوله مزدحمين على بابه من الصباح الى الغروب وكل من دخل منهم قدم بين يدي نجواه شيئًا ما فضة أو تمرًا أو شمعًا على قدر فقره وغناه وبعضهم يأتيه بمراسلات وصلات من أهل بلاده وعلمائها وأعيانها ويلتمسون منه الأجوبة فمن طفر منهم بقطعة ورقة ولو بمقدار الأنملة فكأنما ظفر بحسن الخاتمة وحفظها معه كالتميمة ويرى أنه قد قبل حجه وإلا فقد باء بالخيبة والندامة وتوجه عليه اللوم من أهل بلاده ودامت حسرته الى يوم ميعاده وقس على ذلك ما لم يقل وشرع في شرح كتاب إحياء العلوم للغزالي وبيض منه أجزاء وأرسل منها الى الروم والشام والغرب ليشتهر مثل شرح القاموس ويرغب في طلبه واستنساخه وماتت زوجته في سنة ست وتسعين فحزن عليها حزنًا كثيرًا ودفنها عند المشهد المعروف بمشهد السيدة رقية وعمل على قبرها مقامًا ومقصورة وستورًا وفرشًا وقناديل ولازم قبرها أيامًا كثيرة وتجتمع عنده الناس والقراء والمنشدون ويعمل لهم الأطعمة والثريد والكسكسو والقهوة والشربات واشترى مكانًا بجوار المقبرة المذكورة وعمره بيتًا صغيرًا وفرشه وأسكن به أمها ويبيت به أحيانًا وقصده الشعراء بالمراثي فيقبل منهم ذلك ويجزيهم عليه. ثم تزوج بعدها بأخرى وهي التي مات عنها وأحرزت ما جمعه من مال وغيره ولما بلغ مالًا مزيد عليه من الشهرة وبعد الصيت وعظم القدر والجاه عند الخاص والعام وكثرت عليه الوفود من سائر الأقطار وأقبلت عليه الدنيا بحذافيرها من كل ناحية لزم داره واحتجب عن أصحابه الذين كان يلم بهم قبل ذلك إلا في النادر لغرض من الأغراض وترك الدروس والاقراء واعتكف بداخل الحريم وأغلق الباب ورد الهدايا التي تأتيه من أكابر المصريين ظاهرة وأرسل إليه مرة أيوب بك الدفتردار مع نجله خمسين إربًا من البر وأحمالًا من الأرز والسمن والعسل والزيت وخمسمائة ريال نقود وبقج كساوي أقمشة هندية وجوخًا وغير ذلك فردها وكان ذلك في رمضان وكذلك مصطفى بك الاسكندراني وغيرهما وحضر إليه فاحتجب عنهما ولم يخرج إليهما ورجعا من غير أن يواجهاه ولما حضر حسن باشا الصورة التي حضر فيها الى مصر لم يذهب إليه بل حضر هو لزيارته وخلع عليه فروة تليق به وقدم له حصانًا معدودًا مرختًا بسرج وعباءة قيمته ألف دينارًا أعده وهيأه قبل ذلك وكانت شفاته عنده لا ترد وإن أرسل إليه إرسالية في شيء تلقاها بالقبول والإجلال وقبل الورقة قبل أن يقرأها ووضعها في رأسه ونفذ ما فيها في الحال وأرسل مرة الى أحمد باشا الجزار مكتوبًا وذكر له فيه أنه المهدي المنتظر وسيكون له شأن عظيم فوقع عنده بموقع الصدق لميل النفوس الى الأماني ووضع ذلك المكتوب في حجابه المقلد به مع الأحراز والتمائم فكان يسر بذلك الى بعض من يرد عليه ممن يدعي المعارف في الجفور والزايرجات ويعتقد صحته بلا شك ومن قدم عليه من جهة مصر وأجمع سأله عن المترجم فإن أخبره وعرفه أنه اجتمع به وأخذ عنه وذكره بالمدح والثناء أحبه وأكرمه وأجزل صلته وإن وقع منه خلاف ذلك قطب منه وأقصاه عنه وأبعده ومنع عنه بره ولو كان من أهل الفضائل واشتهر ذلك عنه عند من عرف منه ذلك بالفراسة ولم يزل على حسن اعتقاده في المترجم حتى انقضى نحبهما واتفق أن مولاي محمدًا سلطان المغرب رحمه الله وصله بصلات قبل انجماعه الأخير وتزهده وهو يقبلها ويقابلها بالحمد والثناء والدعاء فأرسل له في سنة إحدى ومائتين صلة لها قدر فردها وتورع عن قبولها وضاعت ولم ترجع الى اسلطان وعلم السلطان ذلك من جوابه فأرسل إليه مكتوبًا قرأته وكان عندي ثم ضاع في الأوراق ومضمونه العتاب والتوبيخ في رد الصلة ويقول له: إنك رددت الصلة التي أرسلناها إليك من بيت مال المسلمين وليتك حيث تورعت عنها كنت فرقتها على الفقراء والمحتاجين فيكون لنا ولك أجر ذلك إلا أنك رددتها وضاعت ويلومه أيضًا على شرحه كتاب الإحياء ويقول له: كان ينبغي أن تشغل وقتك بشيء نافع غير ذلك ويذكر وجه لومه له في ذلك وما قاله العلماء وكلامًا مفحمًا مختصرًا مفيدًا رحمه الله تعالى وللمترجم من المصنفات خلاف شرح القاموس وشرح الإحياء تأليفات كثيرة منها كتاب الجواهر المنيفة في أصول أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه مما وافق فيه الأئمة الستة وهو كتاب نفيس حافل رتبه ترتيب كتب الحديث من تقديم ما روي عنه في الاعتقاديات ثم في العمليات على ترتيب كتب الفقه والنفحة القدسية بواسطة البضعة العيدروسية جمع فيه أسانيد العيدروس وهي في نحو عشرة كراريس والعقد الثمين في طرق الإلباس والتلقين وحكمة الإشراق الى كتاب الآفاق وشرح الصدر في شرح أسماء أهل بدر في عشرين كراسًا ألفها لعلي أفندي درويش وألف باسمه أيضًا التفتيش في معنى لفظ درويش ورسائل كثيرة جدًا منها رفع نقاب الخفا عمن انتمى الى وفا وأبي الوفا وبلغة الأريب في مصطلح آثار الحبيب وإعلام الأعلام بمناسك حج بيت الله الحرام وزهر الأكمام المنشق عن جيوب الإلمام بشرح صيغة سيدي عبد السلام ورشفة المدام المختوم البكري من صفوة زلال صيغ القطب البكري ورشف سلاف الرحيق في نسب حضرة الصديق والقول المثبوت في تحقيق لفظ التابوت وتنسيق قلائد المنن في تحقيق كلام الشاذلي أبي الحسن ولقط اللآلي من الجوهر الغالي وهي في أسانيد الأستاذ الحفني وكتب له إجازته عليه في سنة سبع وستين وذلك سنة قدومه الى مصر والنوافح المسكية على الفوائح الكشكية وجزء في حديث نعم الأدام الخل وهدية الإخوان في شجرة الدخان ومنح الفيوضات الوفية فيما في سورة الرحمن من أسرار الصفة الإلهية وإتحاف سيد الحي بسلاسل بني طي وبذل المجهود في تخريج حديث شيبتي هود والمربي الكابلي فيمن روى عن الشمس البابلي والمقاعد العندية في المشاهد النقشبندية ورسالة في المناشي والصفين وشرح على خطبة الشيخ محمد البحيري البرهاني علي تفسير سورة يونس وتفسير على سورة يونس مستقل على لسان القوم وشرح على حزب البر الشاذلي وتكملة على شرح حزب البكري الفاكهي من أوه فكمله للشيخ أحمد البكري ومقامة سماها إسعاف الاشراف وأرجوزة في الفقه نظمها باسم الشيخ حسن بن عبد اللطيف الحسني المقدسي وحديقة الصفا في والدي المصطفى وقرظ عليها الشيخ حسن المدابغي ورسالة في طبقات الحفاظ ورسالة في تحقيق قول أبي الحسن الشاذلي وليس من الكرم الى آخره وعقيلة الأتراب في سند الطريقة والأحزاب صنفها للشيخ عبد الوهاب الشربيني والتعليقة على مسلسلات ابن عقيلة والمنح العلية في الطريقة النقشبندية والانتصار لوالدي النبي المختار وألفية السند ومناقب أصحاب الحديث وكشف اللثام عن آداب الإيمان والإسلام ورفع الشكوى لعالم السر والتزجوى وترويح القلوب بذكر ملوك بني أيوب ورفع الكلل عن العلل ورسالة سماها قلنسوة التاج ألفها باسم الأستاذ العلامة الصالح الشيخ محمد بن بدير المقدسي وذلك لما أكمل شرح القاموس المسمى بتاج العروس فأرسل إليه كراريس من أوله حين كان بمصر وذلك في سنة اثنتين وثمانين ليطلع عليها شيخه الشيخ عطية الأجهوري ويكتب عليها تقريظًا ففعل ذلك وكتب إليه يستجيزه فكتب إليه أسانيده العالية في كراسة وسماها قلنسوة التاج وأصيب بالطاعون في شهر شعبان وذلك أنه صلى الجمعة في مسجد الكردي المواجه لداره فطعن بعد ما فرغ من الصلاة ودخل الى البيت واعتقل لسانه تلك الليلة وتوفي يوم الأحد فأخفت زوجته وأقاربها موته حتى نقلوا الأشياء النفيسة والمال والذخائر والأمتعة والكتب المكلفة ثم أشاعوا موته يوم الاثنين فحضر عثمان بك طبل الاسماعيلي ورضوان كتخدا المجنون وادعى أن المتوفى أقامه وصيًا مختارًا وعثمان بك ناظرًا بسبب أن زوج أخت الزوجة من أتباع المجنون يقال له حسين آغا فلما حضروا وصحبتهما مصطفى أفندي صادق أخذوا ما أحبوه وانتقوه من المجلس الخارج وخرجوا بجنازته وصلوا عليه ودفن بقبر أعده لنفسه ذلة اليوم لاشتغال الناس بأمر الطاعون وبعد الخطة ومن علم منهم وذهب بجانب زوجته بالمشهد المعروف بالسيد رقية ولم يعلم بموته أهل الأزهر لم يدرك الجنازة ومات رضوان كتخدا في أثر ذلك واشتغل عثمان بك بالإمارة لموت سيده أيضًا وأهمل أمر تركته فأحرزت زوجته وأقاربه متروكاته ونقلوا الأشياء الثمينة والنفيسة الى دارهم ونسي أمره شهورًا حتى تغيرت الدولة وتملك الأمراء المصريون الذين كانوا بالجهة القبلية وتزوجت زوجته برجل من الأجناد من أتباعهم فعند ذلك فتحوا التركة بوصاية الزوجة من طرف القاضي خوفًا من ظهور وارث وأظهروا ما انتفوه مما انتقوه من الثياب وبعض الأمتعة والكتب والدشتات وباعوها بحضرة الجمع فبلغت نيفًا ومائة ألف نصف فضة فأخذ منها بيت المال شيئًا وأحرز الباقي مع الأول وكانت مختلفاته شيئًا كثيرًا جدًا أخبرني المرحوم حسن الحريري وكان من خاصته وممن يسعى في خدمته ومهماته أنه حضر إليه في يوم السبت وطلب الدخول لعيادته فأدخلوه إليه فوجده راقدًا معتقل اللسان وزوجته وأصهاره في كبكبة واجتهاد في إخراج ما في داخل الخبايا والصناديق الى الليوان ورأيت كومًا عظيمًا من الأقمشة الهندية والمقصبات والكشميري والفراء من غير تفصيل نحو الحملين وأشياء في ظروف وأكياس لا أعلم ما فيها قال ورأيت عددًا كثيرًا من ساعات العب الثمينة مبددًا على بساط للقاعة وهي بغلافات بلادها قال فجلست عند رأسه حصة وأمسكت يده ففتح عينيه ونظر إلي وأشار كالمستفهم عما هم فيه ثم غمض عينيه وذهب في غطوسه فقمت عنه قال ورأيت في الفسحة التي أمام القاعة قدرًا كثير من شمع العسل الكبير والصغير والكافوري المصنوع والخام وغير ذلك مما لم أره ولم ألتفت إليه ولم يترك ابنًا ولا ابنة ولم يرثه أحد من الشعراء. وكان صفته ربعة نحيف البدن ذهبي اللون متناسب الأعضاء معتدل اللحية قد وخطه الشيب في أكثرها مترفها في ملبسه ويعتم مثل أهل مكة عمامة منحرفة بشاش أبيض ولها عذبة مرخية على قفاه ولها حبكة وشراريب حرير طولها قريب من فتر وطرفها الآخر داخل طي العمامة وبعض أطرافه ظاهر وكان لطيف الذات حسن الصفات بشوشًا بسومًا وقورًا محتشمًا مستحضرًا للنوادر والمناسبات ذكيًا لوذعيًا فطنًا ألمعيًا روض فضله نضير وماله في سعة الحفظ نظير جعل الله مثواه قصور الجنان وضريحه مطاف وفود الرحمة والغفران ومات
|